تعتبر مرحلة التعليم الجامعي مرحلة حرجة تتشكل فيها لدى الطلبة الانتماءات الفكرية، والأراء، والميول، والاتجاهات حيال العديد من القضايا والظواهر الاجتماعية، وتنضج في هذه المرحلة شخصياتهم وقدرتهم على التفكير النقدي واتخاذ القرار، وتنمو لديهم الحاجة لأدوار جديدة وفاعلة في مجتمعهم ومحيطهم الإنساني.
وقد بات واضحاً لدى الجميع التوجهات الملكية نحو حياة سياسية أكثر حداثة وتطوراً، تفضي إلى حكومات برلمانية تشكلها الأحزاب السياسية القادرة على إقناع المواطنين ببرامجها وخططها للتنمية ومجابهة التحديات. لذلك وحتى ننجح في التأسيس لهذه المرحلة لا بد من مشاركة فاعلة وممارسة حقيقية من قبل جميع المواطنين وفي مقدمتهم الشباب، على أن تحرك هذه المشاركة والممارسة ثقافة سياسية واعية وإيجابية. ومن المؤكد أن للجامعات الدور الأكبر في بناء هذه الثقافة، وتحفيز دوافع الشباب نحو أخذ أدوارهم، وتعميق شعورهم بالمسؤولية اتجاه وطنهم ومجتمعهم.
وقد وضع سمو ولي العهد الجامعات الأردنية في لقائه بعمداء شؤون الطلبة فيها أمام أدوارها في إتاحة العمل الحزبي للطلبة وتهيئة كل ما من شأنه نجاح مشاركتهم في عملية تحاكي ما نأمل تحقيقه في المجتمع الأردني. ويمكن للجامعات الإطلاع بهذا الدور المهم من خلال العمل على إعداد خطط أنشطة التعليم والفعاليات المختلفة في مرافق الجامعة، إلى جانب إدارة التفاعلات الاجتماعية في الحرم الجامعي بما يضمن إنتاج كفاءات معرفية وفكرية منسجمة ومتطلبات التنمية والتطوير في المجتمع، وقادرة على قيادة دفة إدارة الدولة في المستقبل وفق ما تقتضيه الديمقراطية والحياة السياسية المستندة للحرية والعدالة والمساواة.
قد نحتاج لبعض الوقت لإكساب الطلبة الممارسات السياسية السليمة القائمة على الانتماء لاحزاب سياسية ذات برامج مختلفة، وامتلاك مهارات الحوار وتقبل الآخر، واحترام خيار الأكثرية، والخروج من الأطر التقليدية للانتماءات والولاءت وما تفرضه من ممارسات لا تنسجم ومتطلبات الحياة السياسية الصحية. وحتى نسرع من إنجاز الممارسات الحزبية داخل الجامعات الأردنية لا بد من وضع تعليمات وضوابط لعمليات الترشح لانتخابات اتحادات الطلبة، وآليات الاقتراع، وتشكيل القوائم الحزبية، وشكل الأدوار الجديدة للطلبة في الجامعة.
وإلى جانب أدوار الجامعات لا بدَّ للأحزاب السياسية من مساهمة في هذا السياق من خلال استقطاب الشباب الجامعي للانخراط في كوادرها، وإعطائهم أدوارا فاعلة داخل الأحزاب، وتوجيه العديد من البرامج والأنشطة التي تستهدفهم، وتزيد من وعيهم وثقافتهم السياسية، الشيء الذي يفتح الباب واسعاً لتعاون منتج ومثمر بين الجامعات الأردنية والأحزاب السياسية واستثمار إمكانيات الجامعات من مرافق وطاقات فكرية ومعرفية مميزة للأكاديميين والعاملين في الجامعات، وإمكانية زيادة عدد المساقات والبرامج والورش التدريبية بمشاركة الأحزاب السياسية بهدف صناعة ثقافة سياسية ملتزمة وإيجابية بين الشباب الأردني في الجامعات سعيا لدمجهم في مجتمعاتهم كأدوات تغيير إيجابي، وعوامل نجاح حقيقي لحياة سياسية تقوم على قيم الديمقراطية التي تعزز مسيرة وطننا العزيز كمثال رائد في المنطقة العربية للمشاركة السياسية والعمل الحزبي الوطني المخلص والمنتج.
[email protected]